من عطايا القرآن

491

{من عطايا القرآن}

1_الهداية:

قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) }{الإسراء: 10}.

قال ابن الأنباري رحمه الله: «التي» وصف للجمع، والمعنى: يهدي إِلى الخصال التي هي أقوم الخصال. قال المفسرون: وهي توحيد الله والإِيمان به وبرسله والعمل بطاعته، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أي: بأن لهم أَجْراً وهو الجنة.[1]

قال تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}{ الزمر: 19}. قال ابن كثير رحمه الله: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أَيْ: يَفْهَمُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى حِينَ آتَاهُ التَّوْرَاةَ: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الْأَعْرَافِ:145], {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} أَيِ: الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.[2]

قال القرطبي رحمه الله: قال ابن عباس رضي الله عنه: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب، وذلك بأن الله تبارك وتعالى يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123]

قال ابن عباس رضي الله عنه: فضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.[3]

قال تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] (2) } [الْبَقَرَةِ: 1، 2]

وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[الْبَقَرَةِ: 185]

قال السعدي رحمه الله: {هدى للمتقين} والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة، وقال في موضع آخر: {هدى للناس} فعمم، وفي هذا الموضع وغيره {هدى للمتقين} لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق. فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا، ولم يقبلوا هدى الله، فقامت عليهم به الحجة، ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر، لحصول الهداية، وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه، بامتثال أوامره، واجتناب النواهي، فاهتدوا به، وانتفعوا غاية الانتفاع. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الْأَنْفَالِ: 29] فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية، والآيات الكونية.

ولأن الهداية نوعان: هداية البيان، وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان، وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها، ليست هداية حقيقية تامة.[4]

2_الفلاح:

قال تعالى: {…فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ] (7) الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]. قال ابن كثير رحمه الله: وقوله : {واتبعوا النور الذي أنزل معه}: أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغا إلى الناس {أولئك هم المفلحون} أي في الدنيا والآخرة.

ومعنى الفلاح كما قال ابن منظور: الفلاح: الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير.[5]

3_الرحمة والسكينة:

قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الْأَنْعَامِ: 155] قال الطبري رحمه الله: (يعني جل ثناؤه بقولـه: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد – {فاتبعوه} يقول: فاجعلوه إماما تتبعونه وتعملون بما فيه أيها الناس قال تعالى:{واتقوا} يقول: واحذروا الله في أنفسكم أن تضيعوا العمل بما فيه وتتعدوا حدوده وتستحلوا محارمه…وقولـه: {لعلكم ترحمون} يقول: لترحموا فتنجوا من عذاب الله وأليم عقابه.[6]

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ”.[7]

قال النووي رحمه الله: الْمُرَادُ بِالسَّكِينَةِ الطمأنينة والوقار … وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِفَضْلِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسْجِدِ.[8]

قال ابن دقيق العيد رحمه الله: قوله: “وغشيتهم الرحمة” لا يستعمل غشي إلا في شيء شمل المغشي من جميع أجزائه، قال الشيخ شهاب الدين بن فرج: والمعنى في هذا فيما أرى أن غشيان الرحمة يكون بحيث يستوعب كل ذنب تقدم إن شاء الله تعالى.[9]

4_البركة:

قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [الأنعام: 92] وفي آية أخرى ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: 155] وفي ثالثة ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزلْنَاهُ﴾ [الأنبياء: 50] وفي رابعة ﴿كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ﴾ [ص: 29].

قال الرازي رحمه الله: قال أهل المعاني: كتاب مبارك؛ أي: كَثِيرٌ خَيْرُهُ دَائِمٌ بَرَكَتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ، يُبَشِّرُ بِالثَّوَابِ وَالْمَغْفِرَةِ وَيَزْجُرُ عَنِ الْقَبِيحِ وَالْمَعْصِيَةِ.[10]

قال ابن عاشور رحمه الله: وَالْمُبَارَكُ: الْمُنْبَثَّةُ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَهِيَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، وَكُلُّ آيَاتِ الْقُرْآنِ مُبَارَكٌ فِيهَا لِأَنَّهَا:

إِمَّا مُرْشِدَةٌ إِلَى خَيْرٍ، وَإِمَّا صَارِفَةٌ عَنْ شَرٍّ وَفَسَادٍ، وَذَلِكَ سَبَبُ الْخَيْرِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ وَلَا بَرَكَةَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ.[11]

قال الشعراوي رحمه الله: والقرآن مُبارك، ونحن في أعرافنا حين نتكلم بالعامية نأتي بالكلمة التي هي من نفْح ونضح الاستعمالات الفصيحة التي سمعناها، فنجد من يقول: والله هذا الأكل فيه بركة؛ فهو مصنوع لاثنين وأكل منه أربعة وفاض وزاد «. إذن،» البركة «أن يعطي الشيء أكبر من حجمه المنظور.

وبركة القرآن غالبة ومهيمنة، ولو قاس كل إنسان حجم القرآن بحجم الكتب الأخرى لوجد حجم القرآن أقل، ومع ذلك فيه من الخير والبر والبركات والتشريعات والمعجزات والأسرار ما تضيق به الكتب، ونجد من يؤلف ويفسر في أجزاء متعددة، ومع ذلك ما استطاع واحد أن يصل إلى حقيقة المراد من الله؛ لأن القرآن لو جاء وأفرغ عطاءه في القرن الذي عاش فيه الرسول فقل لي بالله: كيف تستقبله القرون الأخرى؟ إنه يكون استقبالا خاليا من العناية به لأنه سيكون كلاماً مكرراً.[12]

ومن آثار هذه البركة:

أ_ بركة العلم والوقت:

قال عباس بن عبد الدايم المصري الكناني عن شيخه إبراهيم بن عبد الواحد الدمشقي:

وأوصاني وقت سفري، فقال: أكثر من قراءة القرآن، ولا تتركه فإنه يتيسر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ، قال: فرأيت ذلك وجربته كثيرا، فكنت إذا قرأت كثيرا تيسر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسر لي.[13]

ونجد كثيرا من العلماء ممن بارك الله في أوقاتهم من ثمار اهتمامهم بالقرآن:

يحدثنا الإمام السيوطي رحمه الله صاحب المؤلفات الكثيرة في علوم القرآن:

وهي: الدر المنثور في التفسير بالمأثور, تفسير الجلالين, الإتقان في علوم القرآن, أسرار ترتيب القرآن, لباب النقول في أسباب النزول, مفحمات الأقران في مبهمات القرآن.

ويخبرنا عن بركة وقته في تأليف تفسير الجلالين حيث أنجزه في أربعين يوما وكان عمره آنذاك 20 سنة حيث يقول: هذا آخر ما كملت به تفسير القرآن الكريم الذي ألفه الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق جلال الدين المحلي الشافعي رضي الله عنه.. وألفته في مدة قدر ميعاد الكليم -أي: موسى عليه السلام، في أربعين يوما-، وجعلته وسيلة للفوز بجنات النعيم…وقد قلت: حمدت الله ربي إذ هداني لما أديت مع عجزي وضعفي فمن لي بالخطا فأرد عنه ومن لي بالقبول ولو بحرف – يعني: من يضمن لي أن يقبل الله مني حتى ولو حرفا واحدا مما كتبت-“، ثم قال: “هذا ولم يكن قط في خلدي أن أتعرض لذلك؛ لعلمي بالعجز عن الخوض في هذه المسالك، وعسى الله أن ينفع به نفعا جما -وفعلا نفع الله به نفعا جما-، ويفتح به قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما.. رزقنا الله به هداية إلى سبيل الحق وتوفيقا واطلاعا على دقائق كلماته وتحقيقا، وجعلنا به من الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا”.[14]

ب_ البركة في الرزق:

قال أبو هريرة رضي الله عنه: “إِنَّ الْبَيْتَ لَيَتَّسِعُ عَلَى أَهْلِهِ وَتَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ، وَيَكْثُرُ خَيْرُهُ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَإِنَّ الْبَيْتَ لَيَضِيقُ عَلَى أَهْلِهِ وَتَهْجُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ، وَيَقِلُّ خَيْرُهُ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِيهِ الْقُرْآنُ”.[15]

يقول الشيخ النورسي رحمه الله: إن دستور حياتي كلها هو عدم قبول شيء من الآخرين، فمنذ نعومة أظفاري لم أقبل شيئا من أحد حتى لو كان زكاة أموالهم.

ثم إن رفضي للمرتب الحكومي – إلا ما عينته الدولة لي لسنتين حينما كنت في دار الحكمة الاسلامية وبعد إلحاح أصدقائي وإصرارهم اضطررت إلى قبوله – وإن عدم قبولي لمنة الآخرين في دفع ضرورات المعيشة الحياتية.. كل ذلك يبين دستور حياتي. فالناس في مدينتي وكل من يعرفني في المدن الأخرى يعرفون هذا مني جيدا. ولقد حاول أصدقاء كثيرون بمحاولات شتى أن أقبل هداياهم في غضون هذه السنوات الخمس التي مرت بالنفي، إلا أنني رفضت.

فإذا قيل: فكيف إذن تعيش؟

أقول: أعيش بالبركة والإكرام الإلهي. فإن نفسي الأمارة مع أنها تستحق كل إهانة وتحقير، إلا أنني – في الأرزاق – أحظى بالبركة التي هي إكرام إلهي يمنح كرامة من كرامات خدمة القرآن.

سأورد نماذج منها، وذلك قياما بأداء الشكر المعنوي تجاه تلك النعم التي أكرمني الله بها وعملا بالآية الكريمة ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) ﴾{الضحى:11} ولكني رغم هذا أخشى أن يداخل هذا الشكر المعنوي شيء من الرياء والغرور فتمحق تلك البركة الربانية الطيبة، إذ أن إظهار البركة المخفية بافتخار مدعاة لانقطاعها. ولكن ما حيلتي فإني اضطررت إلى ذكر تلك البركة اضطرارا.

فالأول: لقد كفاني في هذه الشهور الستة الماضية ستة وثلاثون رغيفا من الحنطة، ولا زال الخبز باقيا، ولا أعرف متى ينفد.[16]

ج_ بركة العقل:

عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: “مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [التين: 6] قَالَ: إِلَّا الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ”.[17]

عن عبد الملك بن عمير، قال: كان يقال: “إن أبقى الناس عقولا قراء القرآن”.[18]

5_الشفاعة لأهله:

عن النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: “يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلُ عِمْرَانَ»، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا”.[19]

عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: “اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ”.[20]

جاء في فيض القدير: (تحاجان) تدافعان الجحيم أو الزبانية. وقال القاضي تحاجان عن أصحابهما بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين والإشعار بفضله وعلو شأنه.[21]

جاء في تحفة الاحوذي: “وصاحبهما” هو المستكثر من قراءتهما.[22]

6_ تكفير الذنوب وإصلاح البال:

قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } {سورة محمد: 2}.

قال القرطبي رحمه الله: { وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } لم يخالفوه في شيء ، قال سفيان الثوري : {وهو الحق من ربهم} يريد أن إيمانهم هو الحق من ربهم، وقيل: أي أن القرآن هو الحق من ربهم، نسخ به ما قبله.

{ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أي: ما مضى من سيئاتهم قبل الإيمان. {وأصلح بالهم} أي: شأنهم، عن مجاهد وغيره. وقال قتادة: حالهم. وابن عباس: أمورهم. والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم. وحكى النقاش أن المعنى أصلح نياتهم, وهو على هذا التأويل محمول على صلاح دينهم.[23]

قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: أي غفر لهم ذنوبهم، وتجاوز لهم عن أعمالهم السيئة{وأصلح بالهم} أي: أصلح لهم شأنهم وحالهم إصلاحا لا فساد معه.[24]

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: والمعنى: أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحا ولا يتدبرون إلا ناجحا.[25]

قال السعدي رحمه الله: {وأصلح بالهم} أي: أصلح دينهم ودنياهم، وقلوبهم وأعمالهم، وأصلح ثوابهم، بتنميته وتزكيته، وأصلح جميع أحوالهم، والسبب في ذلك أنهم: اتبعوا الحق الذي هو الصدق واليقين، وما اشتمل عليه هذا القرآن العظيم.[26]

7_ الحياة للقلوب:

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشُّورَى: 52]

قال الألوسي رحمه الله: القرآن للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية.[27]

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الْأَنْفَالِ: 24].

قَالَ قَتَادَةُ {لِمَا يُحْيِيكُمْ} قَالَ: هُوَ هَذَا الْقُرْآنُ، فِيهِ النَّجَاةُ وَالبقاء وَالْحَيَاةُ.[28]

عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ما أصاب أحدًا قط همٌّ و لا حزنٌ ، فقال : اللهمَّ إني عبدُك، و ابنُ عبدِك، و ابنُ أَمَتِك ، ناصيتي بيدِك ، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، و نورَ صدري، و جلاءَ حزني، و ذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحا”.[29]

قال ابن القيم رحمه الله: وقوله: “أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري” الربيع المطر الذي يحيي الأرض. شبه القرآن به لحياة القلوب به …, ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل أن يكون ذهابها بالقرآن فإنها أحرى أن لا تعود وأما إذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فإنها تعود بذهاب ذلك.

يقول الدكتور جفري لانغ وهو أمريكي اعتنق الإسلام: وهناك آيات أخرى أيضاً تريح المرء و تعيد طمأنته بأن الله لا يتخلى عن أولئك الذين يبحثون عنه، فعندما قرأت سورة الضحى تأثرت كثير لوعدها بمحبة الله المغذية للروح, لدرجة أني بكيت لما يزيد عن نصف ساعة على ما أعتقد شعرت كطفل ضائع أنقذته أمه بعد طول عذاب، وذلك أن هذه السورة تخبرنا أن الله لن يتخلى عنا في أحلك الظروف إذا ما توجهنا إليه فقط.[30]

8_شفاء القلوب والنفوس والجوارح:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يُونُسَ: 57]

قال تعالى: {وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الْإِسْرَاءِ: 82]

قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) } [فصلت: 44]

جاء في تفسير السعدي رحمه الله: {وشفاء لما في الصدور} وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة.

وإذا صح القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية، تبعته الجوارح كلها، فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده.[31]

قال الشيخ إبراهيم السكران: هذه الدوامات التي في الصدور دواؤها كما قال الله عز وجل:

{ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ }

فإذا شفيت الصدور وجدت خفة نفس في الطاعات ..

وإذا شفيت الصدور انقادت للنصوص بكل سلاسة ونفرت من التأويل والتحريف ..

وإذا شفيت الصدور تعلقت بالآخرة واستهانت بحطام الدنيا ..

وإذا شفيت الصدور امتلأت بحمل هم إظهار الهدى ودين الحق على الدين كله ..

وأعجب من ذلك أنه إذا شفيت الصدور استقزمت الأهداف الصغيرة ..تلك الأهداف التي تستعظمها النفوس الوضيعة .. الولع بالشهرة .. وحب الظهور .. وشغف الرياسة والجاه في عيون الناس .. وشهوة غلبة الأقران ..[32]

قال ابن القيم رحمه الله: فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدا، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟!! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه.[33]

ويوضح الزركشي رحمه الله شروط الاستشفاء بالقرآن فيقول: لن ينتفع به إلا من أخلص لله قلبه ونيته وتدبر الكتاب في عقله وسمعه وعمر به قلبه وأعمل به جوارحه وجعله سميره في ليله ونهاره وتمسك به وتدبره هنالك تأتيه الحقائق من كل جانب وإن لم يكن بهذه الصفة كان فعله.[34]

وقال ابن القيم رحمه الله: شِفَاءَ الْقُرْآنِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْأَرْوَاحَ الطَّيِّبَةَ وَالْقُلُوبَ الْحَيَّةَ.[35]

9_ الثواب العظيم:

{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فَاطِرٍ: 29].

قال ابن كثير رحمه الله: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} أَيْ: يَرْجُونَ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ. كَمَا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ عِنْدَ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: “إِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ”؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أَيْ: لِيُوَفِّيَهُمْ ثَوَابَ مَا فَعَلُوهُ وَيُضَاعِفَهُ لَهُمْ بِزِيَادَاتٍ لَمْ تَخْطُرْ لَهُمْ، {إِنَّهُ غَفُورٌ} أَيْ: لِذُنُوبِهِمْ، {شَكُورٌ} لِلْقَلِيلِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.

قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مُطَرف، رَحِمَهُ اللَّهُ، إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَقُولُ: هَذِهِ آيَةُ الْقُرَّاءِ.[36]

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن قَرأ حَرفًا مِن كِتابِ اللهِ فله حَسَنةٌ، والحَسَنةُ بعَشَرةِ أمثالِها، لا أقولُ {الم} حَرفٌ، ولكن ألِفٌ حَرفٌ، ولامٌ حَرفٌ، وميمٌ حَرفٌ”.[37]

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ”.[38]

قال النووي رحمه الله: السفرة: جمع سافر ككاتب وكتبة والسافر الرسول والسفرة الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله وقيل السفرة الكتبة والبررة المطيعون من البر وهو الطاعة والماهر الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة بجودة حفظه وإتقانه. قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى.

قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم.

وأما الذي يتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه, فله أجران: أجر بالقراءة وأجر بتعتعه في تلاوته ومشقته. قال القاضي وغيره من العلماء: وليس معناه الذي يتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به, بل الماهر أفضل وأكثر أجرا لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة ولم يذكر هذه المنزلة لغيره وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه والله أعلم.

قال القرطبي رحمه الله: ولا يكون ماهرا بالقرآن حتى يكون عالما بالفرقان، وذلك بأن يتعلم أحكامه؛ فيفهم عن الله -تعالى- مراده وما فرض عليه.

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا”.[39]

قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله: ( يُقَالُ ): أَيْ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّة (لِصَاحِبِ الْقُرْآن ): أَيْ مَنْ يُلَازِمُهُ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَمَل، لَا مَنْ يَقْرَؤُهُ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ ( اِقْرَأْ وَارْتَقِ ): أَيْ : إِلَى دَرَجَات الْجَنَّة أَوْ مَرَاتِب الْقُرَبِ( وَرَتِّلْ ): أَيْ لَا تَسْتَعْجِلْ فِي قِرَاءَتِك فِي الْجَنَّة … ، ( كَمَا كُنْت تُرَتِّلُ ): أَيْ: فِي قِرَاءَتِك ( فِي الدُّنْيَا).

وَيُؤْخَذ مِنْ الْحَدِيث: أَنَّهُ لَا يُنَالُ هَذَا الثَّوَاب الْأَعْظَم، إِلَّا مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ، وَأَتْقَنَ أَدَاءَهُ وَقِرَاءَتَهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ.[40]

قوانين النصر والهزيمة:

لقد حوى القرآن الكريم في آياته سنن الهزيمة وقوانين التخاذل والتراجع كما أشار إلى قوانين التغيير والنصر. ولن يتأتى للمسلمين الوقوف على تلك القوانين والمفاتيح إلا من خلال قراءة القرآن الكريم قراءة واعية متدبرة، تستنبط وتحلل وتربط بين الكتاب والواقع الذي تحياه، مستخدمة مختلف القدرات العقلية التي وهبها الخالق عزّ وجل وأودعها في الإنسان ليوظفها لبناء الأرض وتشييد الحضارة.[41]

ومن هذه الآيات:

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 7، 8].

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرَّعْدِ:11].

10_حسن الخاتمة:

قال بعض العلماء: سمعت بعض أهل العلم يقول: ما حفظ عبدٌ كتاب الله وعمل به، إلا ضمن الله له حسن الخاتمة، وأذكر أحد العلماء الذين توفوا قريباً من أهل القرآن، الذي أمضوا ليلهم ونهارهم في حب القرآن، وتعليم القرآن وتدريسه، جاءه رجل من بلدٍ بعيد فقال له: إني أريد أن أقرأ عليك القرآن، قال: إن عندي طلاباً كثيرين، قال: يا شيخ أقبلت عليك من بلد كذا وكذا فأعطني من وقتك، فأعطاه وقتاً عزيزاً عليه في ليله، فشاء الله عز وجل أن يستفتح ذلك الطالب كتاب الله عز وجل، وما زال يقرأه حتى بلغ قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}[الملك:12] قال: فخشع الشيخ وسقط مغمىً عليه، فكانت خاتمته عند هذه الآية الكريمة.

فنسأل الله حسن الختام.

والقصص في هذا كثيرة، فإن أهل القرآن الذين يحبون كلام الله عز وجل، ليس كثيراً عليهم هذا، وهذا الشيخ الفاضل الذي توفي عند هذه الآية الكريمة، كان يقرأ عليه أحد الأقارب يقول: فرأيته بعد وفاته في المنام فقلت: يا شيخ ما فعل الله بك؟ قال: فغضب عليّ واحمر وجهه، قال: ما تظن الله يفعل بأهل القرآن! هل تظن الله سيعذبني وأنا من أهل القرآن، يفتخر ويعتز بنعمة الله تبارك وتعالى عليه.[42]

ومن قصص حسن الخاتمة للقراء:

الصحابي الجليل حرام بن ملحان الأنصاري رضي الله عنه: خال أنس بن مالك رضي الله عنهما ، استشهد مع القراء السبعين الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن عمرو بن ساوى, فعندما طعن رضي الله عنه بالرمح كانت آخر كلماته: “فزت ورب الكعبة”.[43]

ومن قصص حسن الخاتمة مع أهل التفسير رحمهم الله نذكر ما يلي:

كانت آخر آية فسرها الشيخ العلامة الشنقيطي في كتابه أضواء البيان المجادلة:

{أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْمُجَادَلَةِ: 21، 22]

آخر آية فسرها الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار هي قوله تعالى في سورة يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يُوسُفَ: 101]

وتوقف الفخر الرازي في تفسيره عند قوله تعالى في سورة الأنبياء:

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} [الْأَنْبِيَاءِ: 101].[44]

  1. زاد المسير, 3/12
  2. تفسير ابن كثير, 7/90
  3. تفسير القرطبي, 1/9
  4. تفسير السعدي, ص: 40
  5. لسان العرب, 2/547
  6. تفسير الطبري, 12/238
  7. صحيح مسلم, (2699)
  8. شرح النووي على مسلم, 17/21
  9. شرح الأربعين النووية, 1/121
  10. تفسير الرازي, 13/64
  11. التحرير والتنوير, 23/251
  12. تفسير الشعراوي, 6/3784
  13. ذيل طبقات الحنابلة, 3/205
  14. تفسير الجلالين, 1/379
  15. الدارمي,( 3352), قال حسين سليم أسد الداراني: إسناده صحيح.
  16. كليات رسائل النور, ص: 83
  17. صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي, 3/576 – قال المنذري في الترغيب والترهيب ٢‏/٣٠٣ إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما
  18. مصنف ابن أبي شيبة, (29956)
  19. صحيح مسلم, (805)
  20. صحيح مسلم, (804)
  21. فيض القدير, 2/63
  22. تحفة الأحوذي, 8/155
  23. تفسير القرطبي, 16/224
  24. أضواء البيان, 7/245
  25. التحرير والتنوير, 26/76
  26. تفسير السعدي, ص: 784
  27. روح المعاني, 13/57
  28. تفسير ابن كثير, 4/35
  29. أخرجه أحمد (3712), قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح, تخريج زاد المعاد, 4/182
  30. الصراع من أجل الإيمان, ص: 118
  31. تفسير السعدي, ص: 366
  32. الطريق إلى القرآن, ص: 47-48
  33. زاد المعاد, 4/323
  34. البرهان في علوم القرآن, 1/436
  35. زاد المعاد, 4/33
  36. تفسير ابن كثير, 6/545
  37. الترمذي (٢٩١٠), أشار عبد الحق الإشبيلي في المقدمة أنه صحيح الإسناد, الأحكام الصغرى, ص: ٩٠١
  38. أخرجه البخاري (٤٩٣٧)، ومسلم (٧٩٨)
  39. الترمذي (2914) وأبو داود (1464), وحسنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح, ٢‏/٣٧٢
  40. بتصرف يسير من: عون المعبود شرح سنن أبي داود , (4/237)
  41. عماد الدين خليل، مدخل إلى التاريخ والحضارة
  42. دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي, (57/9)
  43. انظر المعجم الكبير للطبراني, (3606)
  44. سلسلة محاضرات مفاهيم (الموت) للشيخ: محمد الحسن ولد الددو – يوتيوب
Leave A Reply

Your email address will not be published.