نصائح وتوجيهات لمعلمي القرآن

2٬467

{نصائح لمعلمي القرآن}

كيف تحقق خيرية معلم القرآن؟

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ”.[1]

أي خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن لا في غيره إذ خير الكلام كلام الله فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل به, أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه, أو المراد خيرية خاصة من هذه الجهة أي جهة حصول التعليم بعد العلم, والذي يعلم غيره يحصل له النفع المتعدي بخلاف من يعمل فقط. وقال بعض المحققين: والذي يسبق للفهم من تعلم القرآن حفظه وتعلم فقهه فالخيار من جمعهما. قال الطيبي: ولا بد من تقييد التعلم والتعليم بالإخلاص فمن أخلصهما وتخلق بهما دخل في زمرة الأنبياء.[2]

وجاء في عون المعبود:(مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآن): أَيْ حَقّ تَعَلُّمه (وَعَلَّمَهُ): أَيْ حَقّ تَعْلِيمه، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ هَذَا إِلَّا بِالْإِحَاطَةِ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّة أُصُولهَا وَفُرُوعهَا ، وَمِثْل هَذَا الشَّخْص يُعَدّ كَامِلًا لِنَفْسِهِ مُكَمِّلًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ أَفْضَل الْمُؤْمِنِينَ مُطْلَقًا.[3]

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله أهلين من الناس” قالوا :يا رسول الله، من هم ؟ قال: “هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته”.[4]

أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به، سموا بذلك تعظيما لهم كما يقال : “بيت الله”.

قال الحكيم الترمذي: وإنما يكون هذا في قارئ انتفى عنه جور قلبه وذهبت جناية نفسه، وليس من أهله إلا من تطهر من الذنوب ظاهرا وباطنا ، وتزين بالطاعة ، فعندها يكون من أهل الله”.[5]

_قاعدة ذهبية لا تنسها: {تعلَّمنا الإيمانَ قبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ}:

عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: “لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحْدَثَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ يَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ”.

عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: “كنَّا معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ فتيانٌ حزاورةٌ فتعلَّمنا الإيمانَ قبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ ثمَّ تعلَّمنا القرآنَ فازددنا بِه إيمانًا”.[6]

(حزاورة) جمع الحزور وهو الغلام إذا اشتد وقوي وحزم.

أي أن الإيمان قبل القرآن؛ يتحصّل بأن يربّي المؤمن نفسه على العقائد والشرائع التي جاء بها القرآن؛ ويأخذ ذلك بعزيمة وقوة؛ فإذا شرع بعد ذلك في الاستكثار من حفظ آيات القرآن؛ حفظه وهو يشعر أنه مخاطب بها؛ فيتمعن ويتدبر فيما يحفظ ويخاف أن يكون حجة عليه فيسارع للامتثال بما حفظ.

قال ابن قتيبة: ولم يفرض الله على عباده أن يحفظوا القرآن كلّه، وإنما أنزله ليعملوا بمحكمه، ويؤمنوا بمتشابهه، ويأتمروا بأمره. وينتهوا بزجره.

قال الحسن: نزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملا.

وكان أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ورضي عنهم- وهم مصابيح الأرض وقادة الأنام ومنتهى العلم- إنما يقرأ الرّجل منهم السورتين، والثلاث، والأربع، والبعض والشّطر

من القرآن، إلا نفرا منهم وفقهم الله لجمعه، وسهّل عليهم حفظه.

قال أنس بن مالك: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا. أي جلّ في عيوننا، وعظم في صدورنا.

قال الشّعبي: توفى أبو بكر، وعمر، وعلي، رحمهم الله، ولم يجمعوا القرآن.

وقال: لم يختمه أحد من الخلفاء غير عثمان.[7]

قال الحسن البصري: إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا، وقد والله أسقطه كله، ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق ولا عمل، والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، والله ما هؤلاء بالحكماء ولا الوزعة، لا أكثر الله في الناس من مثل هؤلاء.[8]

يقول محمد أمين المصري: القاعدة التربوية التي يجب ألا ينساها المدرس في الحلقات القرآنية أنه لا ينبغي أن يتلو الإنسان مالا يفهم, ولا يجوز تربويا أن يعتاد الطالب أن يتلو من غير فهم, لأن هذا النوع من التلاوة يكون لدى الفرد عادة الاكتفاء بالألفاظ, وعدم التفكير بالمعاني, وهذه عادة سيئة جدا في تكوين الفرد الفكري.[9]

وظيفك هي وظيفة الأنبياء فأدها خير أداء:

قال تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}{البقرة: 129}.

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}{آل عمران: 164}.

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)}{الجمعة: 2}.

في الآيات السابقة تتضح المهام والوظائف الموكلة للنبي صلى الله عليه وسلم, وقد تكررت في الآيات بفارق ترتيبها , ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أرسله ربه جل وعلا بالقرآن الكريم فإن هذه الوظائف والمهام تجاه هذا القرآن العظيم ويمكن عدها على النحو التالي:

1 ـ تلاوة الآيات على المؤمنين.

2 ـ تعليمهم القرآن ومعانيه وأحكامه.

4 ـ تعليمهم الحكمة ( الفهم والسنة).

5 ـ تزكيتهم وتربيتهم وتهذيب سلوكهم.[10]

أبشر فأنت مُعان:

قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [الْقَمَرِ: 17].

ويربط الشوكاني بين هذا المعنى وبين تدريس القرآن الكريم والدافعية نحو تعلمه بقوله: وفي الآية الحث على درس القرآن، والاستكثار من تلاوته، والمسارعة في تعلمه.[11]

ويصرح السعدي بعبارة أكثر ربطا للآية بمجال الدافعية قائلا: ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا، أسهل العلوم، وأجلها على الإطلاق، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه، قال بعض السلف عند هذه الآية: هل من طالب علم فيعان [عليه]؟.[12]

ومما يمكن استفادته أيضا من هذه الآية ومعناها أن لا نتكلف في تدريس القرآن الكريم من الطرق والوسائل والأساليب ما يشق علينا ويشتت أذهان طلابنا, وألا نشق على طلابنا بتكليفهم ما لا يطيقون من الحفظ أو النطق فما يسره ربنا لا ينبغي لنا أن نعسره بتكلفنا وتعسفنا.[13]

احذر الرياء:

فقد جاء في الحديث النبوي عن أَوَّلَ النَّاسِ الذين يُقْضَى فيهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

… وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، ..”.[14]

قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله، وإدخالهم النار؛ دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال، كما قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.[15]

السنة شارحة للقرآن:

حاول أن تربط ما استطعت بين الكتاب والسنة, خاصة في الأحاديث المفسرة للآيات فيقوى دافع حفظ الحديث وتعلمه لدى الطالب مع حفظه وتعلمه للقرآن, ومن الأمثلة على هذه الأحاديث:

عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].[16]

سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].[17]

لا تهمل التحضير:

تحضير الدروس عملية عقلية منظمة، تؤدّي إلى وضع خطّة مفصّلة للدرس يتمّ إعدادها قبل التدريس بوقت مناسب، وتهدف إلى رسم صورة واضحة لما سيقوم به المدرّس وطلابه خلال المدة التي يقضيها معهم. وتشتمل الخطة على تعيين حدود المادة المراد إعطاؤها للطلاب، وترتيب الحقائق التي يتضمّنها موضوع الدرس، ورسم طريقة محدودة وواضحة يمكن بها توصيل المعلومات إلى أذهان التلاميذ بالشكل الذي يتناسب مع قدراتهم العقلية والجسمية .

ولا شك أن عملية التحضير التي تسبق عملية التدريس تلعب دوراً هاماً في نجاح عملية التدريس. وأيّ محاولة لتنفيذ أحد الدروس دون تحضير مسبق له , فهي محاولة فاشلة لتحقيق الأهداف التعليمية, وإضاعة للوقت للمعلم والمتعلم وتحضير وإعداد الدروس يتضمن عدداً من المميزات والفوائد, ومنها:

1_يزيد الثقة في نفس المعلم نتيجة لإلمامه بالمحتوى العلمي وتحديده للأهداف التعليمية.

3_يساعد المعلم مراعاة خصائص التلاميذ وميولهم واحتياجاتهم أثناء عملية التحضير.

3-يساعد المعلم تحديد الطرق أو الأساليب التدريسية والأنشطة والوسائط التعليمية وعمليات التقويم وإعدادها قبل بدء التدريس.

التخطيط مطلوب:

المقصود بأسلوب التخطيط: تفهم المعلم لشمول أهداف دعوته ومقاصدها، وإدراكه الوسائل التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف، ثم وضع خطة محددة المعالم، ينظم جهوده على ضوئها، مراعيا الإمكانيات المتاحة له، والظروف المؤثرة في الواقع، بحيث تكون هذه الخطة مؤدية إلى تحقيق الأهداف المقصودة، سواء أكانت أهدافا قريبة أم بعيدة، وأن لا يترك العملية التعليمية تسير خبط عشواء، مستندة إلى محدودية النظر، والتصرفات الوقتية الصادرة عن ارتجالية لا عن تفكير عميق وتنظيم، أو أن تسيرها الظروف والأحوال، دون أخذ الأهبة والاستعداد للمتغيرات حولها، بل محاولة التنبؤ بما قد يعترضه من عوائق ومشكلات.[18]

فعلى معلم القرآن أن يضع خطة بعيدة لسنة مثلا وخطة قريبة لشهر أو أقل يضع فيها أهدافه في ضوء الإمكانيات والظروف المتوفرة ويسير عليها ضمن جدول زمني محدد لكل عنصر من عناصر الخطة.

لا تنس التقييم:

التقييم: هو عملية تهدف إلى التأكد من أن المشروع قد حقق النتائج المرجوة منه, وإلى تحديد أثر المشروع على المدى القريب والبعيد.[19]

فعلى معلم القرآن متابعة بذله وعمله ومسيرته ومقارنته بالخطة الموضوعة وتصحيح الأخطاء التي قد تواجهه وتلافي المشكلات التي تعترضه, وتقييم نتائج العمل ومقارنتها بالأهداف الموضوعة بحيث يضمن تحققها على النحو المطلوب.

ومن الأسئلة التي تعينك على التقييم:

ما مدى تأثر الطلاب بالأسلوب؟

وما مدى إقبالهم عليك؟

وهل هم بمستوى واحد من التفكير وعوامل التأثر؟

و الإجابة على مثل هذه التساؤلات تساعد على تحديد مستوى البرنامج وتفادي الأخطاء المستقبلية و التطوير المستمر.

استعن بوسائل وطرائق التدريس المفيدة:

الوسائل التعليمية هي: المواد والأجهزة والمواقف التعليمية التي يستخدمها المعلم في مجال الاتصال التعليمي بطريقة ونظام خاص لتوضيح فكرة أو تفسير مفهوم غامض أو شرح أحد الموضوعات بغرض تحقيق لأهداف سلوكية محددة.[20]

ومن هذه الوسائل: البوربوينت والخرائط الذهنية واللوح والشاشة وغيرها.

ومما يؤكد أهمية الوسائل التعليمية أن لها أصلا في التعليم النبوي وهذا ما أشار إليه “الكبيسي في كتابه أساليب “التعليم ومهاراته في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة” من أن النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يحدث أصحابه بكلماته كان يريهم أعماله نموذجاً تطبيقيا إما بالتوجيه المباشر أو بالتلميح أو أساليب أخرى تدخل ضمن ما نطلق عليه اليوم بالوسائل التعليمية مثل الرسوم التوضيحية وعدد نماذج وأمثلة لهذا النوع من الوسائل منها: استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الرسوم التوضيحية على هيئة خطوط زوايا وأشكال في توضيح قضايا معنوية كبيرة؛ لتصوير المعنى وتوضيحه وتبسيطه، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً منها ما سبق نقله – في فصل التأصيل- عن الإمام أحمد في مسنده قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، قَالَ يَزِيدُ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ {وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]. [21]وغير ذلك من الأحاديث والنماذج كثير ومتنوع.

تشارك مع طلابك في الإعطاء وشجعهم على التفاعل:

وذلك عن طريق:

1_اعتماد الحلقات التفاعلية وليس المتلقية فقط:

قال أنس – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: “إِنَّمَا كَانُوا إِذَا صَلُّوا الغَدَاةَ قَعَدُوا حلقاً حلقاً، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، وَيَتَعَلَّمُونَ الفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ”[22]

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَعْضِ حُجَرِهِ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِحَلْقَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ، وَالأُخْرَى يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : كُلٌّ عَلَى خَيْرٍ، هَؤُلاَءِ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَهَؤُلاَءِ يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا , فَجَلَسَ مَعَهُمْ”[23].

وقد عقد الإمام اليوسي فصلا في قانونه ذكر فيه أصول طرق نشر العلم، فقال: أما التعليم بصورة التدريس فأصله ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله في مجالسه مع أصحابه، من تبيين الأحكام والحكم والحقائق، وتفسير الآيات القرآنية، وذكر فضائلها وخواصها، وغير ذلك. وهم في ذلك مجتمعون عليه، فهذا تقرير وتبيين.

قال تعالى: {بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ٤٤}[سورة النحل:44]

وهذه حلقة العلم، ولم تزل حلق العلم على العلماء كذلك، وهلم جرا.[24]

كذلك الصحابة رضي الله عنهم لم يكتفوا بالتلقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن أحكام الشرع, بل كانوا يتجالسون مع بعضهم يتفقهون في الدين ويتدارسون القرآن ويتذاكرونه فيما بينهم, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدهم ويرشدهم ويصوبهم ويشجعهم.

2_ترك استخراج الجواب للطالب:

إن ترك المعلم الطالب يستخرج الجواب بنفسه، وسيلة نافعة في إعمال الذهن، وتحريضه على التفكير والإدلاء بالجواب. ويكفي هذه الطريقة فائدة، أنها شحذت الذهن والحواس، وجعلتها تبحث جاهدة للعثور على الجواب المطلوب، وهذا في حد ذاته تقدما ومكسبا ينضاف إلى رصيد الطالب. وبيان ذلك، بأن يطرح المعلم مسألة معينة، ثم يقربها لهم ويترك الجواب أو الحكم النهائي لهم. وقد تكون هذه المسألة المطروحة تستلزم جوابا من الطالب، وقد لا تستلزم ذلك ولكنها تتطلب إعمالا ذهنيا وشحذا فكريا.[25]

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوما لأصحابه: أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن، قال : فجعل القوم يتذاكرون شجرا من شجر الوادي قال عبد الله: وألقي في نفسي أو روعي أنها النخلة، قال: فجعلت أريد أن أقول، فأرى أسنانا من القوم، فأهاب أن أتكلم، فلم يكشفوا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: هي النخلة, قال: فذكرت ذلك لعمر، فقال عمر: لأن تكون قلت: هي النخلة، أحب إلي من كذا وكذا.[26]

وفي هذا الحديث من الفوائد:

أ_ استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه, ليختبر أفهامهم, ويرغبهم في الفكر والاعتناء, مع بيانه لهم ما خفيه عليهم إن لم يفهموه.[27]

ب_ امتحان المعلم أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه.

ج_ التحريض على الفهم في العلم وقد بوب عليه المؤلف باب الفهم في العلم.[28]

وهذا ما يسمى بالتعليم الجماعي ومن فوائده:

1_ تحسين قدرات التفكير لدى الطلاب.

2_ زيادة ثقة الطالب بنفسه.

3_ ارتفاع معدلات التحصيل لدى الطلاب.

4_ زيادة القدرة على النقاش.

5_ زيادة الحافز الذاتي للتعلم.

6_ تدريب الطالب على الوصول إلى المعلومة بنفسه.[29]

3_ المدارسة:

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ”.[30]

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى السُّبْحة وفرغ، دخل مربدًا (الحجرة في البيت) له، فأرسل إلى فتيان قد قرأوا القرآن، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة، قال: فيأتون فيقرأون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف.[31]

المدارسة عملية تفاعلية بين المعلم والطالب, ولذلك لا بد من مراعاة هذا الركن, وعدم تحويل مجلس المدارسة إلى محاضرة أو درس تفسيري من طرف واحد هو المعلم, بل لا بد من تشجيع وتحفيز جميع الحاضرين إلى المشاركة, وليس هذا من القول على الله عز وجل بغير علم, بل هو نوع تدبر وتفكر تحت إشراف معلم يصحح ما يقع فيه من خطأ.[32]

  1. صحيح البخاري, 5027
  2. فيض القدير, 3/499
  3. عون المعبود , شرح سنن أبي داوود, 2/228
  4. أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (8031)، وابن ماجه (215)، وأحمد (13542), وحسنه الأرنؤوط في تخريج المسند, ص: 13542
  5. فيض القدير (3 / 87)
  6. ابن ماجة, 61, قال محمد فؤاد عبد الباقي: إسناد هذا الحديث صحيح. رجاله ثقات
  7. تأويل مشكل القرآن, 149
  8. روح البيان, 8/25
  9. لمحات في وسائل التربية الإسلامية, ص: 24
  10. تطوير تدريس القرآن الكريم للنعيري, ص: 83
  11. فتح القدير, 5/149
  12. تفسير السعدي, ص: 825.
  13. تطوير تدريس القرآن الكريم للنعيري, ص: 96
  14. صحيح مسلم, 3527
  15. شرح صحيح مسلم” (13 / 50 – 51).
  16. صحيح مسلم, 297
  17. صحيح مسلم, (2825)
  18. انظر مقال بعنوان: التخطيط في خدمة الدعوة إلى الله :خالد صقير الصقير من ص 22 – 25، مجلة البيان عدد 124 ذو الحجة 1418 هـ 1998 م.
  19. المتابعة والتقييم, مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية, ص: 9
  20. وسائل الاتصال والتكنولوجيا في التعليم, ص: 24
  21. مسند أحمد, 4142

    تطوير تدريس القرآن الكريم للنعيري, ص: 207

  22. مسند أبي يعلى, 7/129, رقم: 4088/ قال الهيثيمي في مجمع الزاوئد: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف
  23. سنن ابن ماجة, بَابُ فَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ, 1/83, رقم: 229, قال الشيخ علي شحود: حسن لغيره (الأساليب النبوية في التعليم, ص: 1)
  24. الكتاني, عبد الحي, نظام الحكومة النبوية, 2/152
  25. شحود, علي, الأساليب النبوية في التعليم, ص: 244
  26. صحيح مسلم, بَابُ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ, 4/2164, رقم: 2811
  27. أبو غدة, عبد الفتاح, الرسول المعلم, ص: ص: 108
  28. فتح الباري, ص: 146
  29. الشبل, عبد العزيز, فكرة التعلم التعاوني, ص: 3
  30. صحيح مسلم, 2699
  31. أخرجه ابن جرير في تفسيره, 4/245
  32. أثر معلم القرآن في تعليم التدبر للحميضي, ص: 10
Leave A Reply

Your email address will not be published.