النجاح والرسوب الدراسي في ميزان الشرع – سامر أبو الخير

497

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢}[سورة آل عمران:102]

 {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١}[سورة النساء:1]

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١}[سورة الأحزاب:70_71] 

أَمَّا بَعْدُ

فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ

أما بعد:

فمن كمال شريعة الرحمن أن ضبطت أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا وعلاقاتنا, بل حتى مشاعرنا وأحاسيسنا ومواقفنا {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}

كل ذلك يعرض على ميزان الشرع نأتمر بما أمرنا وننتهي عما نهانا.

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْرِ: 7]

فكل خير في الطاعة والتمسك والاتباع, وكل شر في الترك والهجران والإعراض.

مكانة العلوم الكونية والحياتية في الإسلام:

تقسم العلوم في الإسلام إلى قسمين كبيرين يشملان كل علم نعرفه أو نحتاج إليه، وهذان القسمان هما: العلوم الشرعية والعلوم الحياتية.

أما العلوم الشرعية فهي العلوم التي يُعرَف بها الله تعالى، ويُعرَف بها كيف تكون العبادة الصحيحة، ويشمل ذلك كل العلوم المتعلقة بدراسة الدين وفقه الشريعة.

أما العلوم الحياتية فهي العلوم النافعة التي يحتاج إليها الإنسان ليصلح بها حياته، ويعمِّر بها أرضه، ويستكشف بها كونه وبيئته، وذلك مثل علوم الطب والهندسة  والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا، وعلوم الأرض والنبات والحيوان، وغير ذلك من العلوم المشابهة.

ولم يقتصر الإسلام على طلب العلوم الشرعية فحسب بل أمر بتحصيل العلم الكوني النافع ورغب به ويظهر ذلك في:

جعله من فروض الكفاية:

قال الغزالي رحمه الله: إن الطب والحساب من فروض الكفايات وكذلك أصول الصناعات أيضاً كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك

فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله.[1]

من طلبه صادقا كان أكثر الناس خشية لله:

قال الشعراوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فَاطِرٍ: 28] لم يقصد الحق سبحانه بهذا القول علماء الدين فقط، فالمقصود هو كل عالم يبحث بحثاً ليستنبط به معلوماً من مجهول، ويُجلّي أسرار الله في خلقه.

لماذا؟ لأنهم الأعلم بالله وبحكمته في كونه، وكلما تكشَّفَتْ لهم حقائق الكون وأسراره ازدادوا لله خشية، ومنه مهابة وإجلالاً.[2]

الإعداد في سبيل الله لا يتحصل بدون العلوم الكونية:

القرآن يأمر المسلم أن يكون قويا متقدما في جميع الميادين العملية، سابحا في جميع الميادين العملية: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: آية 60] أعدوا ما يكون في المستطاع من القوة كائنا ما كان، مهما تطورت القوة، ومهما بلغت، فالمتواكلون العجزة الذين لا يعدون القوة متمردون على أوامر القرآن, مخالفون لأمر خالق السماوات والأرض: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور: آية 63] ومن نظر في القرآن وجده جامعا بين الأمرين: الأمر بالقوة والتقدم، مع المحافظة على الآداب الروحية.[3]

من سنن الله في الكون تفاوت الناس في الأرزاق والقدرات:

الله جل وعلا تفضل على عباده بنعم لا تحصى، ثم فاوت بينهم في هذه العطايا لحكم عظيمة، جهلها كثير ممن لم تتنور بصائرهم بنور الوحي،

ومن هذه الحكم ما يلي:

أولاً: لو كان الناس على مستوى واحد في رزقهم وإمكاناتهم لما قامت الحياة ودار دولابها، ولتعطلت كثير من الأعمال، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكمة بقوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف:32].

مَنْ مِنّا يُسخّر الآخر؟! كُلٌّ منا مُسخَّر للآخر، أنت مُسخَّر لي فيما تتقنه، وأنا مُسخَّر لك فيما أتقنه. . هذه حكمة الله في خَلْقه ليتم التوازن والتكامل بين أفراد المجتمع.

ثانيا: الابتلاء والاختبار، ليظهر الشاكر من الكافر، والصادق من الكاذب

وربُّنا سبحانه وتعالى لم يجعل هذه المهن طبيعية فينا. . يعني هذا لكذا وهذا لكذا. . لا. . الذي يرضى بقدر الله فيما يُناسبه من عمل مهما كان حقيراً في نظر الناس، ثم يُتقن هذا العمل ويجتهد فيه ويبذل فيه وُسْعه ويتق الله فيه يرفعه الله سبحانه وتعالى مهما كانت هذه المهنة حقيرة في أعين الخلق, وبلعكس من يتكبر ويتجبر ولا يقيم أمر الله في مهنته ينزله الله لأسفل السافلين ولو كان أكبر الأطباء.

فليس فينا أَعْلى وأَدْنى، وإياك أنْ تظنَّ أنك أعلى من الناس، نحن سواسية، ولكن مِنَّا من يُتقِن عمله، ومِنَّا مَنْ لا يتقن عمله؛ ولذلك قالوا: قيمة كل امرئ ما يُحسِنه.

ولا تنظر إلى زاوية واحدة في الإنسان، ولكن انظر إلى مجموع الزوايا، وسوف تجد أن الحق سبحانه عادلٌ في تقسيم المواهب على الناس.

وبناء عليه فالنجاح والرسوب في الدراسة ليست معيارا للصلاح والفساد:

فليس كل متفوق في مدرسته قد حصل علامات عالية نائلا لرضا الله ضامنا لدخول الجنة, وليس كل راسب مستحقا لسخط الله, ومصيره النار والعذاب.

كمن أعطاه الله مالا فإما أن ينفقه في وجوه البر فله الأجر, أو ينفقه ليصد عن سبيل الله فعليه الوزر.

فالعلم وسيلة وليس غاية:

وسيلة تهدف إلى تعبيد النفسِ لربِّها ونيل رضاه، فيتعلَّم العبد ما تستقيم نفسه في جانب النية ومعاملة الناس والأخلاق والسلوك, فيوجه علمه لخدمة دينه والمسلمين ويوظفه في نصرة المستضعفين ويجعل منه سبيلا لتغيير واقع الضعف والتراجع,

لا لمجرد تحقيق الشهرة والمجد الشخصي.

هذا هو التصور الصحيح والمعيار المتوازن الذي ينبغي على طلابنا اليوم أن يجعلوا منه منطلقا قبل الدخول في ميدان الدراسة والتعليم.

أما من جهة تعامل الأهل مع أبنائهم الطلاب بحصر البر والحياة السعيدة والسمعة الطيبة بالنجاح والتفوق, وربط العقوق والرأس المخفوض والسمعة السيئة بالرسوب والكسل, فهذا من الظلم والإجحاف ومن مسالك الشيطان ومن العرف الفاسد الذي لم يجلب على أسر كثير من المسلمين إلا مزيدا من الأزمات والتفكك.

ومما يدمي القلب ويعظم المصيبة أن يتغاضى الأهل عن المعاصي والمنكرات والانحرافات والآثام التي يقع بها أبناؤهم, بل ويجدون لها المبررات: دعه فإنه مراهق, شاب طائش, غدا يصلح,  وغيرها من العبارات الهدامة.

فإذا ما رسب في الامتحان صبوا جام غضبهم عليه فتعلو الصيحات ويطول الهجران وربما دعوا عليه أيضا بالمرض والهلاك, لماذا؟ لأن الناس سيتكلمون علينا !!!

للأسف هذا حال المسلمين اليوم يهمهم رضا الناس ولو بسخط الله والعياذ بالله عز وجل

ماذا ستكون النتيجة بعد كل هذا؟

لقد وصل الأمر لدى بعض الطلاب أن يقتل  نفسه بعد رسوبه في امتحان الشهادة الثانوية, خوفا من نظرة الناس إليه.

الانتحار وما أدراك ما الانتحار وما أدراك بالوعيد عليه يوم القيامة. ولكن مهلا, هل قطعنا أسبابه وجففنا منابعه, لا والله.

كلنا مسؤول وكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته.

أيها الأحباب:

السعادة والفرح بالنجاح أمر طيب ومطلوب لا سيما إذا كان بعد تعب واجتهاد, والحزن بسبب الرسوب أمر طبيعي أيضا, ولكن حين تختل الموازين ويتحول الفرح إلى كبر وخيلاء ويتحول الحزن إلى هجر  وأزمات نفسية فهذا ليس من المقبول شرعا ولا عقلا.

النجاح الحقيقي في رضا الله عز وجل والرسوب الحقيقي في البعد عن الله وعن أوامره

النجاح الحقيقي هو الفوز بالجنة بفضل الله سبحانه وتعالى والرسوب الحقيقي هو عذاب النار وبئس المصير.

النجاح الحقيقي هو أن نتقي الله في أولادنا وننشئهم تنشئة صالحة على الكتاب والسنة ونجعل منهم فرسانا لهذا الدين سواء في ميدان العلم أو العمل أو الجهاد أو أي مجال نافع

الرسوب الحقيق هو إهمال أولادنا وتركهم في ميدان الشهوات والشبهات دون رعاية ولا اهتمام.

النجاح الحقيقي أن تحول المحنة إلى منحة والفشل إلى نجاح والتراجع إلى تقدم, بشروا ولا تنفروا, يسروا ولا تعسروا, كلام الناس ورضاهم لا يحرم حلالا ولا يحل حراما, الحلال بين والحرام بين.

والحمد لله رب العالمين


[1] إحياء علوم الدين, 1/16

[2] تفسير الشعراوي

[3] العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير

Leave A Reply

Your email address will not be published.