قصة لوط عليه السلام مع قومه

960

قصة لوط عليه السلام مع قومه:

مفهوم الشذوذ الجنسي:

لم يرد استخدام لفظة الشذوذ في المعاجم اللغوية العربية مرتبطاً بالناحية الجنسية كما هو معروف اليوم، بل ورد بتعبير واسع يشمل كل ما شذ عن الجمع، جاء في مختار الصحاح: “شذّ عنه أي انفرد عن الجمهور…”[1]وقال الفيروز آبادي: “وشذَّ شذوداً: تفرَّد عن الجماعة أو خالفهم”.[2]

أما في الاصطلاح فلا يوجد تعريف له في أمهات الكتب، وهذا يعود إلى أن الشذوذ‏ لم يكن مشكلة ظاهرة وواضحة في المجتمعات الإسلامية العربية، ويوضح ذلك ابن كثير -رحمه الله- بقوله: “… والمقصود أن مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، وكانت لا تعرف بين العرب قديماً كما قد ذكر ذلك غير واحد منهم، فلهذا قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: “لَوْلَا أَنَّ الله عز وجل قص علينا قصة قَوْمَ لُوطٍ فِي الْقُرْآنِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ ذكراً يعلو ذكراً”. [3]

أما بالنسبة للمجتمعات الغربية فنجد مفكريها وعلماءها قد تحدثوا وفصلوا في هذا ملياً. أو قد يكون السبب أن العلماء كانوا يستخدمون ألفاظاً أخرى تعبر عن فعل الشذوذ مثل الفاحشة، تأسياً بالقرآن الكريم الذي لم يرد فيه ذكر للفظ الشذوذ الجنسي، وإنما ورد ما يعادله في تصوير الفعل الشاذ الذي مشى في طريقه قوم لوط، إذ يخبرنا الله تعالى عن رجال كانت شهوتهم الجنسية متجهة نحو الرجال، حيث فعلوا فعلتهم وزاغوا عن العلاقة الطبيعية بتحولهم إلى إتيان الرجال دون النساء، كما يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن قوم النبي لوط -عليه السلام- قد أقدموا على هذا الفعل من الشذوذ الجنسي، وقد وصف الفعل بالفاحش.

ولعل الأنسب بأن يكون التعريف الاصطلاحي للشذوذ الجنسي هو: ضروب‏ من الممارسة الجنسية يخرج فيها أصحابها عن سبل الاتصال الجنسي الطبيعي المألوفة.[4]

قصة قوم لوط في القرآن الكريم:

ورد ذكر لوط -عليه السلام- في القرآن 27 مرة في 14 سورة: (الأعراف، هود، الحِجر، الأنبياء، الشعراء، النمل، العنكبوت، الصافات، القمر، ق، التحريم، النحل، الحج، الأنعام).

وفي لفتة سريعة لفائدة تكرار القصة في القرآن إضافة للتأكيد والتقرير، يقول سيد قطب -رحمه الله-: «ويحسب أناس أن هنالك تكرارًا في القصص القرآني، لأن القصة الواحدة قد يتكرر عرضها في سور شتى، ولكن النظرة الفاحصة تؤكد أنه ما من قصة، أو حلقة من قصة، قد تكررت في صورة واحدة، من ناحية القدر الذي يساق، وطريقة الأداء في السياق. وأنه حيثما تكررت حلقة كان هنالك جديد تؤديه، ينفي حقيقة التكرار».[5]

لوط -عليه الصلاة والسلام- نبي من أنبياء الله عز وجل ورسول من رسله، وقد أخبرنا القرآن أنه آمن بإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لما كان إبراهيم يدعو قومه إلى الله في بلاد العراق.

استجاب لوط لدعوة إبراهيم، وسار معه، وآمن له، ولما هاجر إبراهيم من العراق إلى فلسطين كان لوط معه. {فَ‍َٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} [العنكبوت:26] وقال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: {وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ} [الأنبياء:71] ولما وصل إبراهيم ولوط -عليهما السلام- إلى فلسطين، أرسل الله لوطا نبياً رسولاً إلى قوم كانوا يسكنون في الجنوب الشرقي منها في عدة قرى مجتمعة.[6]

أول ظهور لفاحشة الشذوذ كانت في قوم لوط:

قال تعالى: {وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} [الأعراف:80]

قال القرطبي -رحمه الله-: “مِنْ” لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، أَيْ لَمْ يَكُنِ اللِّوَاطُ فِي أُمَّةٍ قَبْلَ قَوْمِ لُوطٍ.[7]

الفواحش الذي كان يرتكبها قوم لوط:

1_ممارسة الفاحشة مع الذكور:

قال تعالى: {وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٨ أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ} [العنكبوت:29].

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ لُوطٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى قَوْمِهِ سُوءَ صَنِيعِهِمْ، وَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ قَبِيحِ الْأَعْمَالِ فِي إِتْيَانِهِمُ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَلَمْ يَسْبِقْهُمْ إِلَى هَذِهِ الْفِعْلَةِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ قَبْلَهُمْ، وكانوا مع هذا يكفرون بالله ويكذبون رسله، ويخالفون وَيَقْطَعُونَ السَّبِيلَ، أَيْ يَقِفُونَ فِي طَرِيقِ النَّاسِ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} أَيْ يَفْعَلُونَ مَا لَا يَلِيقُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فِي مَجَالِسِهِمُ الَّتِي يَجْتَمِعُونَ فِيهَا، لَا يُنْكِرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ قَائِلٍ كَانُوا يَأْتُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي الْمَلَأِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمِنْ قَائِلٍ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ وَيَتَضَاحَكُونَ، قَالَتْهُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- وَالْقَاسِمُ، وَمِنْ قَائِلٍ كَانُوا يُنَاطِحُونَ بَيْنَ الْكِبَاشِ وَيُنَاقِرُونَ بين الديوك، وكل ذلك يَصْدُرُ عَنْهُمْ وَكَانُوا شَرًّا مِنْ ذَلِكَ.[8]

2_ اعتراضهم على إنكار نبيهم عليهم:

{قَالُوٓاْ أَوَ لَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} [الحجر:70] أي: أو لم نَنْهَكَ عَنْ أَنْ تُكَلِّمَنَا فِي أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِذَا قَصَدْنَاهُ بِالْفَاحِشَةِ.[9]

3_ السخرية والتهديد لمن يريد بهم الخير:

قال تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف:82]

(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا): يعنى ما أجابوه بما يكون جواباً عما كلمهم به لوط -عليه السلام-، من إنكار الفاحشة، وتعظيم أمرها، ووسمهم بسمة الإسراف الذي هو أصل الشر كله، ولكنهم جاءوا بشيء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته، من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم، ضجراً بهم وبما يسمعونهم من وعظهم ونصحهم. وقولهم: (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش، وافتخاراً بما كانوا فيه من القذارة، كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم: أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد.[10]

4_ المجاهرة بهذه المعصية:

قال تعالى: {وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ} [النمل:54]

قال ابن كثير: أَيْ: يَرَى بَعْضُكُمْ بَعْضًا.[11]

كيف تعامل لوط مع قومه:

1_الإنكار عليهم ومن معه من الصالحين:

{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلۡقَالِينَ} [الشعراء:168]

أي إني من المبغضين بغضا شديدا لعملكم، فلا أرضاه ولا أحبه، وإني بريء منكم، وإن هددتموني وأوعدتموني بالطرد. وكونه بعض القالين يدل على أنه يبغض هذا الفعل ناس غيره، هو بعضهم، وقوله: (مِنَ الْقالِينَ) أبلغ من أن يقول: إني لعملكم قال.[12]

2_حاول صرفهم عن الفاحشة بدعوتهم إلى الزواج بالنساء:

{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْيَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} [هود:78]

وقوله: {هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ} يوحي بأنه دعاهم إلى التوجه الفطري النفسي السوي، الذي يحقق الطهارة؛ حيث يفكر الرجل بزوجه وامرأته، ويقضي شهوته عندها، وهذا أطهر له من ذلك السلوك الشاذ بممارسة الشهوة عند رجل من جنسه.

والمقصود بالبنات هنا بنات القرية، وليس بناته من صلبه، والأبوة هنا معنوية كما يخاطب الشيخ طلابه: يا أبنائي، فكانت ردة فعلهم إصرارهم على الشذوذ والفاحشة، فأعماهم عن اليقظة والتعقل والرشد. {قَالُواْ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنۡ حَقّٖ وَإِنَّكَ لَتَعۡلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79] [13]

3_دعاء ربه بعد القيام بواجبه أن ينجيه من القوم الظالمين:

{رَبِّ نَجِّنِي وَأَهۡلِي مِمَّا يَعۡمَلُونَ ١٦٩ } [الشعراء:172]

وَأَقْبَلَ عَلَى الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُنْجِيَهُ وَأَهْلَهُ مِمَّا يَعْمَلُ قَوْمُهُ، أَيْ مِنْ عَذَابِ مَا يَعْمَلُونَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَنَجَّيْناهُ. وَلَا يَحْسُنُ جَعْلُ الْمَعْنَى: نَجِّنِي مِنْ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلَهُمْ، لِأَنَّهُ يَفُوتُ مَعَهُ التَّعْرِيضُ بِعَذَابٍ سَيَحِلُّ بِهِمْ.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَنَجَّيْناهُ} لِلتَّعْقِيبِ، أَيْ كَانَتْ نَجَاتُهُ عَقِبَ دُعَائِهِ حَسْبَمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ أَسْرَعِ مُدَّةٍ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَأَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِالْخُرُوجِ.[14]

{إِلاَّ عَجُوزاً فِي الغابرين} أي إلا امرأته الكافرة فإِنها لم تؤمن فكانت من الباقين في العذاب ومن الهالكين.[15]

عقاب قوم لوط:

قال تعالى: {فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ مَّنضُودٖ ٨٢ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ ٨٣}[سورة هود:83]

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} بنزول العذاب، وإحلاله فيهم {جَعَلْنَا} ديارهم {عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أي: قلبناها عليهم {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} أي: من حجارة النار الشديدة الحرارة {مَنْضُودٍ} أي. متتابعة، تتبع من شذ عن القرية.

{مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} أي: معلمة، عليها علامة العذاب والغضب، {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ} الذين يشابهون لفعل قوم لوط {بِبَعِيدٍ} فليحذر العباد، أن يفعلوا كفعلهم، لئلا يصيبهم ما أصابهم.[16]

قال ابن كثير: وَقَوْلُهُ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} أَيْ: وَمَا هَذِهِ النِّقْمَةُ مِمَّنْ تَشَبَّه بِهِمْ فِي ظُلْمِهِمْ، بِبَعِيدٍ عَنْهُ.[17]

ختام القصة:

ختمت القصة بالدعوة إلى التدبر والتفكر في عاقبة المعرضين عن هدي الله، والمخالفين لسنن الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها، وهو ما عبر عنه سبحانه وتعالى: {وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٨٤}[سورة الأعراف:84]

وقصة لوط -عليه السلام- من القصص القرآني التي ساقها القرآن الكريم بصورتها الواقعية، قاصداً من خلالها عرض حقائق الإيمان، وترسيخ قواعد التوحيد، وبيان سنة الله في التعامل مع الظالمين لأنفسهم، والمعرضين عن طريق الهداية والرشاد.[18]

ما يستفاد من القصة:

أولاً: أن مهمة الداعية الأولى هي الدعوة إلى تقوى الله، والأخذ بالأساليب الحكيمة لإخراج الناس مما هم فيه من فساد وضلال، وأن يكون عمل الداعية ليس تحصيلاً لأجر أو كسباً لسمعة، بل الالتزام بأمر الله في الدعوة إلى دينه الحق، وإخراج الناس من حمأة الظلمات.

ثانياً: أن أصحاب الإيمان العميق، والخلق القويم، والغيورين على طهارة النفوس وأعراض الناس، يستميتون في الذب عن دينهم، وعن كل ما أمر الله تعالى بالدفاع عنه، وهذا ما رأيناه في قصة لوط -عليه السلام-، فلم يترك وسيلة من وسائل الترغيب أو الترهيب إلا طرقها.

ثالثاً: أن لوطاً -عليه السلام- على الرغم من قوة إيمانه، وعلو همته، وعظيم غيرته، تمنى أن تكون له قوة باطشة، تردع قومه عن منكرهم، وتردهم عن باطلهم. وأنه لا بأس على المسلم أن يستعين بغيره لنصرة الحق الذي يدعو إليه، ولخذلان الباطل الذي ينهى عنه، هذا ما نفهمه من قوله سبحانه: {قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ ٨٠}[سورة هود:80]

رابعاً: اقتضت حكمة الله سبحانه أن تكون عقوبته العادلة للمجرمين متناسبة مع جرائمهم وقبائحهم، قال ابن القيم -رحمه الله-: وَلَمْ يَبْتَلِ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ قَبْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَعَاقَبَهُمْ عُقُوبَةً لَمْ يُعَاقِبْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُمْ، وَجَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ بَيْنَ الْإِهْلَاكِ، وَقَلْبِ دِيَارِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَالْخَسْفِ بِهِمْ، وَرَجْمِهِمْ بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ، فَنَكَّلَ بِهِمْ نَكَالًا لَمْ يُنَكِّلْهُ أُمَّةً سِوَاهُمْ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَفْسَدَةِ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الَّتِي تَكَادُ الْأَرْضُ تَمِيدُ مِنْ جَوَانِبِهَا إِذَا عُمِلَتْ عَلَيْهَا، وَتَهْرُبُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِذَا شَاهَدُوهَا، خَشْيَةَ نُزُولِ الْعَذَابِ عَلَى أَهْلِهَا، فَيُصِيبُهُمْ مَعَهُمْ، وَتَعِجُّ الْأَرْضُ إِلَى رَبِّهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَتَكَادُ الْجِبَالُ تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا.[19]

خامساً: وصف القرآن الكريم قوم لوط -عليه السلام- لفعلهم الشنيع بأوصاف ثلاثة:

{بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ ٨١}{ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ ١٦٦}{بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ ٥٥}

ومجموع هذه الأوصاف يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل، وانحراف الفِطَر، وتجاوز الحدود التي ترتضيها النفوس. وهذا يفيد أن النفوس البشرية عندما تنتكس وترتكس، تصل في مجاهرتها بإتيان الفواحش إلى ما لم تصل إليه بعض الحيوانات.[20]

سادساً: وقع الإجماع من جميع علماء المسلمين على تحريم الشذوذ الجنسي (اللواط والسحاق) وتجريم مرتكبه وإن اختلفوا في العقوبة (ينظر كتب الفقه)، قال ابن قدامة -رحمه الله-: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ اللِّوَاطِ.[21]

لمشاهدة المحاضرة على يوتيوب:

  1. محتار الصحاح, 1/163
  2. القاموس المحيط, ص: 426- 427
  3. البداية والنهاية, 9/158
  4. القاموس المحيط, ص: 537ما سبق مستفاد من كتاب: الشذوذ الجنسي للدكتورة نهى القاطرجي
  5. في ظلال القرآن, 1/55
  6. القصص القرآني, صلاح الخالدي, 3/478
  7. تفسير القرطبي, 7/245
  8. تفسير ابن كثير, 6/249
  9. تفسير القرطبي, 10/39
  10. الكشاف, 2/126
  11. ابن كثير, 6/200
  12. التفسير المنير للزحيلي, 19/106
  13. القصص القرآني, صلاح الخالدي, 1/504
  14. التحرير والتنوير, 19/181
  15. صفوة التفاسير, 3/40
  16. تفسير السعدي, ص: 386
  17. تفسير ابن كثير, 4/342
  18. الشذوذ الجنسي في الفكر الغربي وأثره على العالم العربي, د. نهى قاطرجي, ص: 65
  19. الداء والدواء, 1/169
  20. قصة لوط عليه السلام في القرآن, موقع إسلام ويب
  21. المغني, 9/60
Leave A Reply

Your email address will not be published.