الضوابط الفقهية لعمليات التجارة الالكترونية

520

الضوابط الفقهية لعمليات التجارة الالكترونية

الضوابط الفقهية لعمليات التجارة الالكترونية:

1_أن تكون المنتجات حلالا منتفعا بها:

إن الأساس الذي تقوم عليه العملية التسويقية، هي المنتجات، ولكي يكون التسويق الالكتروني جائز لابد أن تكون تلك المنتجات المعلن عنها ملتزمة بما أحله الله.

لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} {سورة المائدة:2}.

و قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْل شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ”.[1]

2_تحقيق شرط الإيجاب والقبول:

قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من ١٧-٢٣ شعبان ١٤١٠ الموافق ١٤-٢٠ آذار (مارس) ١٩٩٠م، وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، ونظرًا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات، وباستحضار ما تعرّض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس – عدا الوصيـة والإيصاء والوكالة – وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.

أولًا: إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، و لا يرى أحدهما الآخر معاينة و لا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول), وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الكمبيوتر), ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.

ثانيًا: إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد، وهما في مكانين متباعدين, وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي, فإن التعاقد بينهما يعد تعاقدًا بين حاضرين, وتنطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء, المشار إليها في الديباجة.

ثالثًا: إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.

رابعًا: إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الشهود فيه، و لا الصرف لاشتراط التقابض، و لا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.

خامسًا: ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات.[2]

3_أن يكون المبيع مملوكا للبائع:

السؤال: أقوم بشراء جهاز حاسب (كمبيوتر) أو هاتف محمول (جوال) عبر الإنترنيت، ثم أبيعه قبل استلامه عبر الإنترنيت أيضاً، ثم أقوم بشحنه للمشتري بعد وصوله لي، ويخرج لي بذلك مرابح مادية، فهل هذه المرابح جائزة أم محرمة؟

الجواب: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

وبعدُ؛ فمِن شروط صحة البيع أن يكون المبيع مملوكاً للبائع إلا ما استثني، وبيانُ ذلك فيما يلي:

الأصل في البيع أن لا يبيع الإنسان إلا ما يملكه؛ لحديث حكيمِ بنِ حزامٍ رضي الله عنه قال: أتيتُ رسولَ اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلتُ: يأتيني الرَّجلُ يسألُني منَ البيعِ ما ليسَ عندي، أبتاعُ له منَ السُّوقِ، ثمَّ أبيعُه؟ قال: «لا تَبِعْ ما ليسَ عندكَ»، أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه، قال المباركفوري في «تحفة الأحوذي» : (وفي قوله صلى الله عليه وسلم دليلٌ على تحريم بيع ما ليس في مِلك الإنسان، ولا داخلاً تحت قدرته).

ومِن تمام الملك واستقراره قبضُ السلعة، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما اشتراه المرء قبل أن يقبضه؛ ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أمّا الذي نهى عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يُباع حتى يُقبض)، قال ابن عباس: (ولا أحسب كلَّ شيء إلا مثلَه) رواه البخاري، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نهى أن تُباع السلعُ حيث تُبتاعُ حتى يَحُوزَهَا التجارُ إلى رِحالهم) رواه أحمد وأبو داود وأصلُه في البخاري، فدلّ الحديثان على أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع السلعة التي اشتراها قبل قبضها، والقبضُ يختلف باختلاف السلع، ويُرجع في تحقّقه إلى عرف الناس؛ لعدم ورود ما يحدده في الأدلة الشرعية.

وفيما يلي نذكر الطرق الموافقة للشريعة في بيع السلع عبر مواقع النت:

الطريقة الأولى: البيع المعروف:

ويكون بشرائه عبر النت مِن المواقع المتخصصة ببيع السلع التي يستطيع ترويجها وبيعها في موقعه بما يحقق له الربح، وقد يستطيع الحصول على سلع بأسعار منخفضة بسبب تأخر التسليم أو عدم شهرة المواقع أو غير ذلك من الأسباب، وبعد وصول تلك السلع إليه يعرضها في موقعه، ويبيعها لمن يطلبها.

الطريقة الثانية: عقدُ السَّلَم:

ومعنى السَّلَمُ بيعُ موصوفٍ في الذّمّة مؤجّلِ التسليم بثمنٍ معجّل. والأصلُ في مشروعيته حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أَسْلَفَ في شيءٍ، فَليُسلِف في كيلٍ معلومٍ، ووزن معلومٍ، إلى أجلٍ معلوم» متفق عليه.

وطريقة تطبيقه هنا: أن يَعرض التاجرُ في موقعه السِّلعَ التي يمكنه توفيرُها للمشتري عن طريق تعاملِه مع بعض مواقع البيع، ولا بدّ للتاجر أن يبين مواصفات السلعة المعروضة بدقة مِن حيث الشكل والحجم واللون والصناعة والضمان وكل ما يؤدي للعلم بها ورفع الجهالة عنها ويؤثر في الثمن، ويحدد للمشتري كيفية التسليم، ومقدار الثمن، وعند طلب المشتري للسلعة يعقد معه عملية البيع، ويستلم منه الثمن، ثم يوفّرها مِن المواقع التي يتعامل معها، فهو في هذه الحالة يبيع سلعةً ليست موجودة عنده لكنها موصوفة في ذمته.

وقال الخطابي: (قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبع ما ليس عندك» يريد بيع العين دون بيع الصّفة، ألا ترى أنه أجاز السلم إلى الآجال، وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال، وإنما نهى عن بيع ما ليس عند البائع مِن قبيل الغَرر).

وقال الشوكاني في «نيل الأوطار»: (وظاهرُ النهي تحريمُ بيعِ ما لم يكن في ملك الإنسان، ولا داخلاً تحت مقدرته، وقد استُثني مِن ذلك السَّلَم، فتكون أدلةُ جوازه مخصِّصةً لهذا العموم).

ومما يشترط في هذا البيع:

1- أن تكون السلعة معلومة بضبط صفاتها ضبطاً تاماً، يرفع الجهالة، ويمنع الاختلاف والنزاع.

2- أن يكون الثمن معجلاً بحيث يُسلّم في مجلس العقد، حتى لا يدخل في بيع الدين بالدين، ومن أهل العلم مَن أجاز التأخير اليسير كاليوم واليومين والثلاثة في العقود طويلة الأجل، فإن أُجل أكثر من ذلك بطل العقد بالاتفاق.

3- أن لا تكون السلعة مما يشترط في بيعها التقابض، ويمنع بيعها بالتأجيل (نسيئة)، فلا يجوز بيع الذهب والفضة والعملات النقدية بعقد السلم؛ لفوات شرط التقابض في مجلس العقد.

4- أن تكون السلعة مما يباح الانتفاع به، ولا تتضمن شيئاً من المحرمات.

كما جاء في قرار (مجمع الفقه الإسلامي الدولي) رقم: (85 – 2 / 9 – 1) عن بيع السَّلم.

ولعل هذه الطريقة هي الأكثر ملائمة للصورة الواردة، ويلزم البائع الوسيط حينئذ الالتزام بأمور منها:

1- تحديد وصف المبيع دون تعيينه برقم أو كود؛ لأن التعيين لا يلائم بيع الموصوف في الذمة.

2- تحديد أجل التسليم وثمن المبيع، وقبض الثمن كاملاً مِن المشتري عاجلاً دون تأجيل.

3- يشتري البائع الوسيط السلعة (جهاز الكمبيوتر) مِن المصنع أو مِن المواقع المتخصصة مع التوصيل لمكان المشتري منه، ولكن يكون ضمان السلعة أثناء النقل على البائع الوسيط فلو لم تصل فعليه الضمان، ولزمه تسليم جهاز بديل مماثل.

الطريقة الثالثة: الوساطة التجارية

أن يكون صاحب الموقع وسيطاً أو سمساراً بين المشتري وصاحب السلعة على أجر معين، وهذا جائز كذلك، قال البخاري في «صحيحه»: (بابٌ: أجرة السّمْسرة، ولم يرَ ابنُ سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأساً. وقال ابن عباس: لا بأس أن يقول بِعْ هذا الثوب؛ فما زاد على كذا وكذا فهو لك. وقال ابن سيرين: إذا قال له بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأس به. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم») انتهى، وحينها تكون السلعة في ضمان صاحب الموقع الذي اشتريت منه البضاعة، بمعنى: أن السلعة إذا لم تصل للمشتري بسبب ضياعها أو لسبب آخر؛ فالذي يضمنها هو المالك لها، وليس الوسيط، وأخذُ الأجرة على الوساطة في هذا البيع جائز، سواء أخذها مِن المشتري مباشرة أو من صاحب السلعة أو منهما، ولا يشترط أن يكون هناك اتفاق بين الوسيط وصاحب السلعة الأول، كما لا يشترط فيها أن تكون السلعة متوفرة عند الوسيط، بل يجوز له طلب شرائها حينما تُطلب منه.

الطريقة الرابعة: الوكالة

ويكون ذلك بأن يأخذ التاجر مِن صاحب الموقع توكيلاً في بيع السلع التي يعرضها، فيكون وكيلاً عن البائع، ويقوم مقامه في بيع السلعة نيابة عنه لمن يطلب شراءها، ويقبض الثمن، وهذا جائز كذلك، وإذا كان ذلك بأجر متفق عليه فهو نوع من أنواع الإجارة، جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية»: (اتفق الفقهاء على جواز التوكيل في البيع والشراء؛ لأن الحاجة داعية إلى التوكيل فيهما…. اتفق الفقهاء على أن الوكالة قد تكون بغير أجر، وقد تكون بأجر). انتهى

ففي الطريقتين الأولى والثانية يكون صاحب الموقع مشترياً مِن شخص، وبائعاً لشخص آخر.

وفي الطريقة الثالثة لا يكون بائعاً ولا مشترياً، بل مجرد وسيط بين البائع والمشتري، والعقد يجري بينهما مباشرة.

وفي الطريقة الرابعة يكون بائعاً بالنيابة عن مالك السلعة، ولكن في تطبيق الطريقتين الثالثة والرابعة في الواقع صعوبات، فلعل أنسب الطرق هي طريقة بيع السّلَم كما سبق.

وختاماً: نوصي المسلمين أن يحرصوا على تحري الحلال، وأن يبحثوا عن الصيغ والطرق الموافقة للشريعة في أعمالهم وتجارتهم، ويبتعدوا عن المحرمات والمشتبهات، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيرا منه، والحمد لله رب العالمين.[3]

4_عدم بيع المبيع قبل قبضه:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنِ ابْتاعَ طَعامًا فلا يَبِعْهُ حتّى يَقْبِضَهُ”.[4]

ربما يشتري شخص سلعة ما عن طريق الانترنت ثم يقوم ببيعها قبل أن يستلمها فما حكم هذا البيع؟

نوضح المسألة من خلال المثال التالي:

المواد المجلوبة من الخارج إذا كانت في الشحن على ذمة المشتري، فأنت اشتريت البضائع من إسبانيا مثلاً، وشحنتها في الحاوية في البحر فكانت في ضمانك أنت فيجوز لك بيعها حينئذ لأنك قد نقلتها وصارت في ذمتك، أما إذا كان البائع هو الذي يتولى ضمانها حتى تصل إلى الميناء المحلي فلا يجوز بيعها قبل قبضها من الميناء المحلي، وعادة أهل البلد هنا أن المواد تدخل في ضمان المشتري بمجرد استلامها في ميناء التوريد أي في الميناء الأول، الذي تشحن منه، وكذلك الشحن في الطائرات ونحوه، ومثل هذا الشحن في السيارات كمن كان في الداخل مثلاً له محل تجاري في: “النعمه” أو في: “كيفه” واشترى المواد من هنا وشحنها في السيارة وانطلقت إلى مكانه ولم تصل بعد فيجوز له بيع تلك البضائع لأنها عنده وهي في ضمانه، وقد شحنها من مكانها ودخلت في ضمانه. أما إذا كان صاحب البضاعة هو الذي يحملها ويؤديها إليه فلا يحل له بيعها قبل أن تصل إليه وتدخل في ضمانه هو، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، ولا عبرة بترخيص البائع في ذلك لأنك أنت قد اشتريت منه ودخلت في ملكك أنت وتورث عنك إذا مت وهي في ضمانك.[5]

  1. أخرجه أبو داود (4 / 758 – تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وإسناده صحيح.

  2. قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من ١٧-٢٣ شعبان ١٤١٠ الموافق ١٤-٢٠ آذار (مارس) ١٩٩٠م،

  3. المجلس الإسلامي السوري, رقم الفتوى: 36, تاريخ الفتوى: السبت 09 صفر 1442هــ الموافق 26 أيلول / سبتمبر 2020م

  4. أخرجه البخاري (٢١٣٣)، ومسلم (١٥٢٦)

  5. فتوى للشيخ: محمد الحسن ولد الددو : http://iswy.co/e3ng7

Leave A Reply

Your email address will not be published.